كان يتصبب عرقاً بفعل الحرارة الشديدة
والرطوبة العالية، لم تنخفض الحرارة حتى في منتصف الليل، إبراهيم ذو الثلاثين
عاماً يقف ملثماً بشاله المميز الألوان يودع أسرته، قبل يد والدته التي وقفت شامخة
كعهدها دائماً
إبراهيم: لا تقطعي عنا الدعاء يا أماه.
الأم: سلمكم الله، وسدد رميتكم.
انتقل إلى زوجته التي كان القلق والخوف
يعتصر قلبها ولكنها حاولت جاهدة أن تبدو صلبة امامه، أوصها بأمه وولده، ثم رفع
ابنه فاروق واحتضنه بشدة، مسح بيده على وجهه وقال: كن قويا يا بني أنت من ستحمل
الراية بعدي، أمسك فاروق الصغير بشال أبيه ورغم محاولات امه منعه إلا أنه ظل
ممسكاً به وانطلق يبكي، خلع إبراهيم الشال ولفه عليه فهدأ، قطع المشهد السريالي
نداء الشباب المنتظرين في السيارة
إبراهيم:
نستودعكم الله ونلقاكم على خير.
الأم: لا تلتفت ورائك يا بني، سيروا على بركة
الله.
استقل السيارة ملوحاً، وحينما تحركت السيارة
مبتعدة انفجرت الزوجة ببكاء شديد، أمسكت الأم بكتفها وقالت: تماسكي لا تجعلي الولد
يراك منهارة هكذا، نحن نريد رجلاً يعيدوا لنا أرضنا، ولا تستعاد الأوطان إلا
بالدماء.
في احدى الطرق الجبلية، سمعوا صوت سيارات
وجلبة عالية، إنها قوات الاحتلال تتبعهم، أوقف إبراهيم السيارة وأخذ رشاشه وقفز من
السيارة وامر زملائه بالرحيل فهو سيعطل هؤلاء أكبر قدر ممكن، الكل رفض ولكنه أصر
فانصاعوا لأمره فهو كان قائد المجموعة، انطلقت السيارة تنهب الأرض مبتعدة، لحظات
وظهرت السيارات المصفحة، احتمى إبراهيم خلف صخرة وبدأ بإطلاق النار، بادلوه ناراً
بنار ولكنهم كثر، أصابت رصاصة يد إبراهيم واطاحت بعقلة من أصابعه، استطاع إبراهيم
أن يصمد أمامهم حتى نفذ الرصاص، انقضوا عليه، أخذ خنجره وأصاب بعضهم ولكنه تلقى
رصاصة أصابته في جهته تتابعت الصور ( القدس، المسجد الأقصى، كنيسة القيامة، أباه،
أمه، ابنه، زوجته، علم فلسطين، شجرة الزيتون) ، تقدم أحدهم وأخذ سلاحه.
في نفس المكان بعد خمسة سنوات، معلمة مع عدد
من الطلبة بيد كل واحد منهم شتلة زيتون، أمرتهم المعلمة بزرعها، تسابق الطلبة
وزرعوا الشتلات، ثم ذهبوا للعب، اختبأ فاروق خلف الصخرة وأخذ يمثل إطلاق النار من
مسدس لعبة، انسدل شال أبيه من على كتفه، أعاده إلى مكانه، ظهرت عظمة عقلة أبيه تحت
الصخرة.
بقلم/م/ أحمد على أحمد سويلم
(27\ 12\ 2005)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق