السبت، 9 ديسمبر 2017

تمثال نفرتيتي.. شاهد على عبقرية المصري القديم



"فجأة وجدنا بين أيدينا أكثر القطع الفنية المصرية حيوية، فلا يمكن وصفه بالكلمات. يجب أن تراه". بهذه الكلمات وصف العالم الألماني لودفيج بورخارد تمثال الملكة نفرتيتي بعد أن عثر عليه بتل العمارنة في مثل هذا اليوم 7 ديسمبر عام 1912.

التمثال الذي يبلغ ارتفاعه 48 سنتيمترا ومصنوع من الحجر الجيري المصري المغطى بطبقة من الجص الملون لفت أنظار العالم إليه بصفته نموذجًا شديد الأهمية لفن البورتريه. فالتمثال الذي صنع في القرن الرابع عشر قبل الميلاد، وعلى الأرجح عام 1345، أي قبل ما يقرب من 33 قرنًا، يتميز بالدقة الشديدة في نحت ملامح الوجه ومراعاة النسب مراعاة كبيرة، بالإضافة للدقة في نحت التاج الطويل، والألوان الواقعية والمتناسقة والطبيعية للغاية.

أما عن النحات الذي ينسب إليه التمثال فهو النحات تحتمس، الذي يرجح أنه كان النحات الرسمي لقصر الملك إخناتون، الملك المثير للجدل تاريخيًا ودينيًا، زوج الملكة "الجميلة" نفرتيتي، التي يعني اسمها في اللغة المصرية القديمة "الجميلة أتت"، حسب الباحثين، ومن بينهم عالم الآثار المصري ووزير الآثار الأسبق د.زاهي حواس.

نفرتيتي التي أصبحت ملكة مصر في الأسرة الثامنة عشرة ارتبط اسمها بالملك إخناتون، أحد أكثر الملوك المصريين إثارة للجدل، بعد أن فرض ديانته التوحيدية القائمة على عبادة الإله آتون إله الشمس وحده.

عثر بورخارد على التمثال في أثناء التنقيب بمنطقة تل العمارنة، وتحديدًا في ورشة النحات الملكي تحتمس. ويتهم العالم الألماني بأنه قدم وصفًا مزيفا للتمثال شديد الأهمية ثم عمل على إخفائه قبل تهريبه إلى ألمانيا حتى لا تحصل عليه مصلحة الآثار المصرية.

كانت هناك عدة محاولات من الجانب المصري لاسترداد التمثال الذي يمثل تحفة فنية عظيمة – الذي كان قد عرض للجمهور في برلين لأول مرة في 1924- في العهد النازي، حيث كان هتلر قد وعد بإعادة التمثال بعد وصوله إلى سدة الحكم في 1933، غير أنه تراجع بعد ذلك قائلًا إنه قرر أن يقيم متحفًا للمصريات، وأن تكون هذه التحفة الفنية في مركزه.

بعد سقوط الحكم النازي على يد الحلفاء في 1945 طالبت مصر باسترداد التمثال من الحلفاء الذين كانت برلين تحت سيطرتهم، فأرسل الملك فاروق – حاكم مصر آنذاك- طلبًا رسميًا في أبريل 1946 لاستعادة التمثال، ثم خاطبت مصر الولايات المتحدة في فبراير 1947 عن طريق سفيرها، غير أن تلك المحاولات باءت بالفشل بعد أن جاء الرد بأن مصر عليها أن تخاطب الحكومة الجديدة التي سيتم تشكيلها.

في عام 1995 تجددت المطالبات الثانية، واستمر الأمر حتى 2005 حين طالب د.زاهي حواس منظمة اليونسكو بالتدخل لإعادة التمثال إلى مصر. وفي 2009 طالبت مصر ألمانيا بالحصول على التمثال ولو على سبيل الاقتراض، غير أن الأخيرة رفضت بدعوى أن التمثال لا يمكن نقله إطلاقًا خوفًا على سلامته.

في 2010 كان رد السلطات الألمانية بأن حصولها على التمثال كان شرعيًا، الأمر الذي يجعل من المفاوضات بين الطرفين مستحيلة.

هذا عن الصراع حول أحقية مصر في التمثال، غير أن الأمر يتجاوز ذلك إلى حقيقة التمثال نفسه؛ حيث ذهب عدد من علماء الآثار إلى أن التمثال الموجود في برلين مزيف، ويذهب أصحاب هذه الفرضيات إلى أن مبرر ذلك يرجع إلى الفجوة الزمنية بين اكتشاف التمثال وبين عرضه، أي بين 1912 و1924، حيث يرى أولئك العلماء أن مكتشف التمثال احتفظ به لمدة تتجاوز 11 سنة، ثم قدم في النهاية نسخة مقلدة من التمثال وليس التمثال نفسه، وذلك حسب مقال للدكتور زاهي حواس نشر في 2014.

أما العالم السويسري هنري سترلين، المتخصص في تاريخ الفن، فقد ذهب إلى أن التمثال لابد وأن يكون مزيفًا، مستندًا إلى عدة مبررات. أشار سترلين في فرضيته إلى العين المفقودة في التمثال، وهي العين اليسرى، قائلًا إن المصريين القدماء ما كانوا ليصنعوا تمثالًا لملكة بعين ناقصة. وذهب سترلين إلى أن التمثال تم إنتاجه حتى يقدم للأمير البروسي يوهان جورج الذي انبهر به، لذلك فإن بورخارد "لم يتجرأ على مخالفته" كما يقول سترلين في تصريحات صحفية في عام 2009.

غير أن هذه الفرضيات تبقى دائمًا في وضع الفرديات، حيث تشير الدراسات التي أجريت على التمثال إلى أن الحجر والأصباغ التي يتكون منها التمثال ترجع إلى ما قبل أكثر من 300 سنة.

يبقى التمثال شاهدًا على أن الفن المصري قد بلغ مرحلة عظيمة من الرقي قبل آلاف الأعوام، غير أنه قد يكون شاهدًا كذلك على كم الآثار المصرية التي تعامل معها الباحثون الأوروبيون بطريقة غير أمينة، الأمر الذي انتهى بعدد كبير من أروع الآثار المصرية إلى ملكية دول لا علاقة لها بها سوى أن مواطنيها اكتشفوها بعد أن حفظتها الأرض – وحفظتها قبلها عبقرية المصريين- بآلاف الأعوام، ليحرم منها الشعب المصري صاحب الحق الأول في الميراث الذي تركه له أجداده.






ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق