كل شيء "صنع في الصين"، إلا الشعب الصيني! هزّت هذه الخلاصة التي خرج بها عالم الجيوكيمياء الصيني صن ويدونج Sun Weidong أوساط الباحثين والرأي العام، بعدما أعلن أن أصل الحضارة الصينية هو مصري من وادي النيل. العالم الصيني الشهير أكد أن مؤسسي الحضارة الصينية لم يكونوا صينيين بأي شكل كان، بل في الواقع مهاجرون من مصر.
بدأت هذه الفكرة تتبلور في رأس صن في التسعينيات من القرن العشرين بينما كان يجري اختبار القياس الإشعاعي لقطع برونزية من الصين القديمة، وقد أصيب حينها بالدهشة لأن مكونات القطع تشبه تلك التي ترجع إلى المصريين القدماء، أكثر من تلك المنتمية للصينيين الأصليين.
ويأتي جواب صن بعد أبحاث طويلة قام بها علماء الآثار القومية في الصين على امتداد أكثر من قرن من الزمان، ساعين للإجابة على سؤال: من أين يأتي الشعب الصيني؟ وتنبع أهمية الجواب عن سؤال مماثل من التسييس الذي لحق به، نظراً للدور السياسي والاقتصادي العالمي الذي تلعبه الصين اليوم.
لم تكن الجيوكيمياء وحدها المعين لصن في خلاصته، بل ارتكز على أعمال كلاسيكية من الصين القديمة، واقتبس وصف المؤرخ سيما كيان لطوبوغرافيا امبراطورية شيا، التي تعتبر تاريخياً السلالة الحاكمة المؤسسة للصين بين عامي 2070 و1600 قبل الميلاد.
في كتاب سيما كيان، المعنون "سجلات المؤرخ الكبير"، ينقسم النهر ليصبح 9 أنهار، ومن ثم يتحد بعكس اتجاه بقية الأنهار ويتدفق إلى البحر. وعليه فإن النهر محل التساؤل ليس النهر الأصفر الشهير في الصين الذي يتدفق من الغرب إلى الشرق، بل هو النهر الوحيد المتدفق إلى الشمال: النيل.
في تلك القاعة التي أعلن فيها صن خلاصاته أمام جمهور عادي وباحثين وصحافيين، انتشرت الهمسات وعلامات التعجب، بينما كانت النصوص الصينية القديمة المتداولة تظهر أكثر قرباً لجغرافيا مصر من جغرافيا الصين.
بحسب صن، الذي نشرت تقريره مجلة "فورين بوليسي"، فإن تقنيات العصر البرونزي للصين أتت من الشمال الغربي للبلاد على طريق الحرير القديم عبر البحر. حمل الهكسوس (شعوب آسيا الغربية الذين حكموا أجزاء من مصر بين القرنين الـ17 والـ16 قبل الميلاد) هذه التقنيات، وكانت تقنيات مذهلة اكتشفها علماء الآثار في مدينة ين التاريخية، التي كانت تعتبر عاصمة الصين خلال حكم السلالة الثانية بين عامي 1300 و1046 قبل الميلاد. وقد استفاد الهكسوس من تطويرهم سفناً للحرب والتجارة مكنتهم من السفر عبر البحر المتوسط والأحمر.
الحقيقة ليست صفراء
تدحض خلاصات صن ويدونج النظرية التي حاول المؤرخون الصينيون تثبيتها لزمن طويل بأنهم أبناء اليان والامبراطورية الصفراء. تقول "فورين بوليسي": "أصبحت تلك الأقاويل القصص الأصلية للصين الإمبريالية، وظلت تحتفظ بمصداقيتها لعقود بعد أن حلت مكانها الجمهورية عام 1912، حتى أن أكثر أبناء الأمة ثورةً وتمرداً، ومنهم سون يات سين وشيانغ كاي شيك ومؤسس جمهورية الشعب ماوتسي تونغ، شعروا في أوقات معينة أنهم بحاجة لإظهار احترامهم عند مقبرة الملك الأصفر".
خضعت هذه النظرية لصراعات تاريخية عديدة استخدمت في السياسة، وكان أبرزها المنشأ الغربي للحضارة الصينية، التي اعتبرت كحل وسط. افترضت تلك الرؤية أن الثقافة الشرقية تحركت باتجاه الغرب إبان العصر الحجري لتلتقي بالثقافة الغربية التي تحركت باتجاه الشرق، ليندمجا مكوّنين أسلاف مملكة شانغ. وهي النظرية التي بقيت حتى الخمسينيات. ولكن مع ظهور موجة القومية في أواخر الأربعينيات، واتباع ماوتسي تونغ سياسة مناهضة للغرب، تغيرت النظرية بما يثبت تطور الحضارة الصينية في الصين من دون تأثير خارجي. وهكذا أصبح نمو الحضارة الصينية، بحسب النظريات المستجدة، ذاتي بحت.
في العام 1978، تراجع التحيّز الإيديولوجي الصارخ ومزج المنشورات العلمية بالسياسة، فعاد السؤال بشأن الدقة العلمية لأصل الحضارة الصينية. وعليه انطلق مشروع "التسلسل الزمني" في العام 1996، والذي يحاكي إنجآزات علم الآثار الفرعوني. كُلّف بهذا المشروع 200 خبير وفق ميزانية بلغت 1.5 مليون دولار. في ذلك الوقت، كان صن طالب دكتوراه في مختبر الإشعاع في جامعة العلوم والتكنولوجيا. ومن بين القطع البرونزية التي وصل عددها إلى 200 قطعة، والتي كان صن مسئولاً عن تحليلها، جاء بعضها من مدينة ين. بعد اكتشافه لتشابه القطع مع تلك المصرية، رفض المشرف على رسالة صن للدكتوراه أن يسمح له بالإعلان عن النتائج تفادياً للدخول في جدل خطير وقتها.
بدأت هذه الفكرة تتبلور في رأس صن في التسعينيات من القرن العشرين بينما كان يجري اختبار القياس الإشعاعي لقطع برونزية من الصين القديمة، وقد أصيب حينها بالدهشة لأن مكونات القطع تشبه تلك التي ترجع إلى المصريين القدماء، أكثر من تلك المنتمية للصينيين الأصليين.
ويأتي جواب صن بعد أبحاث طويلة قام بها علماء الآثار القومية في الصين على امتداد أكثر من قرن من الزمان، ساعين للإجابة على سؤال: من أين يأتي الشعب الصيني؟ وتنبع أهمية الجواب عن سؤال مماثل من التسييس الذي لحق به، نظراً للدور السياسي والاقتصادي العالمي الذي تلعبه الصين اليوم.
لم تكن الجيوكيمياء وحدها المعين لصن في خلاصته، بل ارتكز على أعمال كلاسيكية من الصين القديمة، واقتبس وصف المؤرخ سيما كيان لطوبوغرافيا امبراطورية شيا، التي تعتبر تاريخياً السلالة الحاكمة المؤسسة للصين بين عامي 2070 و1600 قبل الميلاد.
في كتاب سيما كيان، المعنون "سجلات المؤرخ الكبير"، ينقسم النهر ليصبح 9 أنهار، ومن ثم يتحد بعكس اتجاه بقية الأنهار ويتدفق إلى البحر. وعليه فإن النهر محل التساؤل ليس النهر الأصفر الشهير في الصين الذي يتدفق من الغرب إلى الشرق، بل هو النهر الوحيد المتدفق إلى الشمال: النيل.
في تلك القاعة التي أعلن فيها صن خلاصاته أمام جمهور عادي وباحثين وصحافيين، انتشرت الهمسات وعلامات التعجب، بينما كانت النصوص الصينية القديمة المتداولة تظهر أكثر قرباً لجغرافيا مصر من جغرافيا الصين.
بحسب صن، الذي نشرت تقريره مجلة "فورين بوليسي"، فإن تقنيات العصر البرونزي للصين أتت من الشمال الغربي للبلاد على طريق الحرير القديم عبر البحر. حمل الهكسوس (شعوب آسيا الغربية الذين حكموا أجزاء من مصر بين القرنين الـ17 والـ16 قبل الميلاد) هذه التقنيات، وكانت تقنيات مذهلة اكتشفها علماء الآثار في مدينة ين التاريخية، التي كانت تعتبر عاصمة الصين خلال حكم السلالة الثانية بين عامي 1300 و1046 قبل الميلاد. وقد استفاد الهكسوس من تطويرهم سفناً للحرب والتجارة مكنتهم من السفر عبر البحر المتوسط والأحمر.
الحقيقة ليست صفراء
تدحض خلاصات صن ويدونج النظرية التي حاول المؤرخون الصينيون تثبيتها لزمن طويل بأنهم أبناء اليان والامبراطورية الصفراء. تقول "فورين بوليسي": "أصبحت تلك الأقاويل القصص الأصلية للصين الإمبريالية، وظلت تحتفظ بمصداقيتها لعقود بعد أن حلت مكانها الجمهورية عام 1912، حتى أن أكثر أبناء الأمة ثورةً وتمرداً، ومنهم سون يات سين وشيانغ كاي شيك ومؤسس جمهورية الشعب ماوتسي تونغ، شعروا في أوقات معينة أنهم بحاجة لإظهار احترامهم عند مقبرة الملك الأصفر".
خضعت هذه النظرية لصراعات تاريخية عديدة استخدمت في السياسة، وكان أبرزها المنشأ الغربي للحضارة الصينية، التي اعتبرت كحل وسط. افترضت تلك الرؤية أن الثقافة الشرقية تحركت باتجاه الغرب إبان العصر الحجري لتلتقي بالثقافة الغربية التي تحركت باتجاه الشرق، ليندمجا مكوّنين أسلاف مملكة شانغ. وهي النظرية التي بقيت حتى الخمسينيات. ولكن مع ظهور موجة القومية في أواخر الأربعينيات، واتباع ماوتسي تونغ سياسة مناهضة للغرب، تغيرت النظرية بما يثبت تطور الحضارة الصينية في الصين من دون تأثير خارجي. وهكذا أصبح نمو الحضارة الصينية، بحسب النظريات المستجدة، ذاتي بحت.
في العام 1978، تراجع التحيّز الإيديولوجي الصارخ ومزج المنشورات العلمية بالسياسة، فعاد السؤال بشأن الدقة العلمية لأصل الحضارة الصينية. وعليه انطلق مشروع "التسلسل الزمني" في العام 1996، والذي يحاكي إنجآزات علم الآثار الفرعوني. كُلّف بهذا المشروع 200 خبير وفق ميزانية بلغت 1.5 مليون دولار. في ذلك الوقت، كان صن طالب دكتوراه في مختبر الإشعاع في جامعة العلوم والتكنولوجيا. ومن بين القطع البرونزية التي وصل عددها إلى 200 قطعة، والتي كان صن مسئولاً عن تحليلها، جاء بعضها من مدينة ين. بعد اكتشافه لتشابه القطع مع تلك المصرية، رفض المشرف على رسالة صن للدكتوراه أن يسمح له بالإعلان عن النتائج تفادياً للدخول في جدل خطير وقتها.
التاريخ في خدمة السياسة
الآن، بعد 20 عاماً من بداية البحث، وبعد أن أصبح صن أستاذاً جامعياً، بات مستعداً للكشف عن كل ما يعرفه. رغم ذلك، لا تزال نظريته تقع خارج الإطار الأكاديمي، وقد لاقت ردود فعل متفاوتة بين مرحّب بضرورة النظر بعمق وبعقل منفتح إلى التاريخ، وبين معترض غاضب على "نظرة الدونية تلك، فكيف يمكن للشعب الصيني أن يكون قد أتى من مصر؟".
فهل حقاً أصل حضارة الصين مصري؟
http://foreignpolicy.com/2016/09/02/did-chinese-civilization-come-from-ancient-egypt-archeological-debate-at-heart-of-china-national-identity/
الآن، بعد 20 عاماً من بداية البحث، وبعد أن أصبح صن أستاذاً جامعياً، بات مستعداً للكشف عن كل ما يعرفه. رغم ذلك، لا تزال نظريته تقع خارج الإطار الأكاديمي، وقد لاقت ردود فعل متفاوتة بين مرحّب بضرورة النظر بعمق وبعقل منفتح إلى التاريخ، وبين معترض غاضب على "نظرة الدونية تلك، فكيف يمكن للشعب الصيني أن يكون قد أتى من مصر؟".
فهل حقاً أصل حضارة الصين مصري؟
http://foreignpolicy.com/2016/09/02/did-chinese-civilization-come-from-ancient-egypt-archeological-debate-at-heart-of-china-national-identity/
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق