صرح بذلك د. مصطفي وزيري الأمين العام للمجلس الاعلي للآثار موضحا ان حجرة الدفن المكتشفة حديثا وجدت بأحد هذه الآبار الذي يقع على عمق 30م و كانت مجاورة لخمس حجرات دفن أخرى تم الكشف عنهم في عام 2018.
و أشار د. رمضان بدري حسين الي انه أثناء أعمال تنظيف وتسجيل الحجرات الخمس عثرت البعثة على جدار حجري أخفى خلفه حجرة دفن سادسة عُثر بها على أربعة توابيت خشبية في حالة سيئة من الحفظ، أهمهم تابوت لإمرأة تُدعى "ديدي باستت"، دُفنت و معها ستة أواني كانوبية من الألبستر، علي عكس عادة المصريين القدماء الذي كانوا يقومون بتحنيط الرئتين والمعدة (أو الطحال) والأمعاء والكبد و يحفظونها في أربعة اواني كانوبية يحميها أربعة آلهة يعرفون بأسم أبناء حورس الأربعة. وعليه يؤكد د. البدري ان الأواني الكانوبية الست الخاصة بايدي باستت تعد كشفاً فريداً من نوعه. كما اشارت القراءات الأولية لصور الأشعة المقطعية (CT Scan) التي اجرتها البعثة علي للإناءين الإضافيين، الي أنهما يحتويان على أنسجة بشرية، و التي توضح انه من المرجح أن يكون جثمان ديدي باستت أُجريت له عملية تحنيط خاصة تم خلالها الاحتفاظ بأحشائها في ست أواني على غير عادة المصريين القدماء.
و استطرد قائلا ان دراسة نصوص التوابيت الحجرية والخشبية بحجرات الدفن الستة أسفرت عن نتائج هامة، منها أن غالبية التوابيت لكهنة وكاهنات إلهة على هيئة الثعبان، تُدعى نيوت شاس و التي كانت من الآلهات الثانوية خلال عصر الدولة الحديثة إلا أن هذه النصوص تشير إلى ارتقاء مكانتها وانتشار عبادتها في الأسرة السادسة والعشرين وربما كان لها معبداً في منطقة منف عاصمة مصر الإدارية وجبانتها سقارة. و من بين كهنة َنيوت شاس كاهنة تُدعى إيبوت وكاهن يُدعى تشانيميت، دُفنا في نفس الحجرة ويبدو أنهما من المهاجرين المتمصرين، حيث أن اسمهما يعتبران من الأسماء الخاصة بمجتمع الليبيين المهاجرين الذين نزحوا إلى مصر وكونوا الأسرة الثانية والعشرين (943- 716 ق. م). واستمرت أجيال المهاجرين الليبيين تمثل عنصراً من عناصر المجتمع المصري الذي تميز بتنوعه الثقافي، فكانت مصر بلداً مفتوحة للمهاجرين من بينهم اليونانيين والليبيين والفينيقيين وغيرهم من الأعراق الأخرى.
كما قامت البعثة أيضا بدراسة نقاء مادة الفضة المصنوع منها القناع الفضي المذهب الذي اُكتشف في عام 2018 وصنفته مجلة Archaeology Magazine الأمريكية كأحد أهم عشرة اكتشافات أثرية لذات العام. وانتهت الدراسات الي أن نقاء مادة الفضة به يبلغ 99.7%، وهي درجة نقاء عالية جداً تنم عن ثراء صاحبة القناع التي شغلت وظيفة كاهنة الإلهة نيوت شاس. والجدير بالذكر أن هذا القناع من المكتشفات النادرة فهو الثالث من نوعه حيث عُثِرَ على قناعين آخرين في عام 1902 ، و 1939.
كما اشارت النتائج الأولية للتحاليل الكيميائية التي أجريت لبقايا مواد التحنيط العالقة بالأواني الفخارية المكتشفة بورشة التحنيط علي يد فريقاً دولياً من الأثريين والكيميائيين من جامعة توبنجن وجامعة ميونخ الألمانيتين والمركز القومي للبحوث بالقاهرة، إلى قائمة من الزيوت والأصماغ النباتية ومواد أخرى منها مادة القطران وزيت وصمغ خشب الأًرز وصمغ شجرة الفستق وشمع وعسل النحل ودهون حيوانية وزيت الزيتون وزيت العرعر ونباتات أخرى. ويعكف الفريق على كتابة التقرير النهائي تمهيداً لنشره علمياً.
و اكد د. رمضان بدري حسين على كشف ورشة التحنيط والمقابر الملحقة بها بأنه يلقي الضوء على جانب مهم من عملية التحنيط ألا وهو بعده الاقتصادي، فالتحنيط في جوهره معاملة تجارية بين شخص ما ومحنط. فالمحنط في الأساس هو مهني وكاهن ورجل أعمال. ونعلم من خلال برديات عدة أن المجتمع المصري كان به فئة من الكهنة والمحنطين الذين أبرموا عقوداً مع أفراد، تلقوا من خلالها مبالغ مالية وعينية مقابل الإشراف على ترتيبات الجنازة، ومنها القيام بعملية التحنيط وشراء مستلزماته وكذلك تدبير المقبرة والتابوت وكافة الأدوات الجنزية.
جدير بالذكر انه في شهر يوليو عام 2018 أعلن د. خالد العناني وزير السياحة والآثار في مؤتمر صحفي عالمي عن كشف ورشة التحنيط والآبار الملحقة بها وما احتوته من 54 مومياء وخمسة توابيت حجرية وعدة توابيت خشبية وأواني كانوبية من الألبستر وأواني فخارية والمئات من تماثيل الأوشابتي الصغيرة والقناع الفضي المذهب.
وستسأنف بعثة جامعة توبنجن أعمالها في سقارة في شتاء عام 2020.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق